وصفوه بـ"الداعية الموضة"
شريف شحاتة.. وقَوْلُهم:"أنتَ عامِلّنا فيها شيخ!"
السبت, 11 يونيو, 2011, 18:02 بتوقيت القدس
غزة- مريم الشوبكي
"أنت شاب لم تتجاوز الثمانية والعشرين.. ولم تدرس
بالأزهر.. ولا ترتدي جلابية ولا تطلق لحية.. فكيف تكون داعية؟!"..كان
هجوماً "حاميَّ الوطيس" شنّته عليه بعض مواقع الإنترنت والمجلات وبعض
الأشخاص..ليكون ذلك واحداً من العقبات التي جعلت الداعية شريف شحاتة يفكر
ملياً في الانسحاب، لكنه بالرغم من كل شيء اختارَ أن يتابع رحلته الدعوية.
"ضيفنا" الذي سطع نجمه في الأفق الدعوي عبر القنوات الإسلامية رغم صغر
سنه، اتخذ لنفسه قاعدةً ربانية من كتابه الكريم:" وما كان ربك نسيَّاً"،
فأخذ على عاتقه أن يوصل هذه الرسالة إلى مشارق الأرض ومغاربها، فهو على
يقينٍ راسخ بأن من حمل أمانةَ تبليغ الدعوة لن ينساه الله، وبذلك استطاع أن
يلقي بعيداً كل ما يقوله المثبطون والمستهزئون الذين سخروا منه دوماً بذلك
التعليق:"أنت عامِلِّنا فيها شيخ؟!".. لكن استعانته بالله ودعم علماء
الدين له وتبحرّه في العلم الفقهي..كل ذلك شبَّثه بالدعوة، لينجح في مهمته
بدليل تحقيقه لأعلى معدل في مشاهدة برامجه..تعالوا نصغي معاًً إلى بعضٍ من
المفاصل الرئيسة في تجربته التي تطرق إليها في حديثه الهاتفي مع "فلسطين".
دعاةُ "اتيكيت وموضة"
لم يكن الداعية المصري شريف شحاتة قد بلغ عاماً واحداً، حين تُوفيّ
والده، تاركاً له أساساً دينياً متيناً ترعرع عليه في طفولته.. فقد كان
يتردَّد إلى المسجد وحِفظ القرآن دوماً إلى جانب تغذية عقله بقراءة الكتب
الدينية والتفقه فيها، وما لبث أن أصبح يؤم الناس ويلقي خطبة الجمعة نزولاً
عند رغبة وإلحاح أصدقائه ورواد المسجد.
لم يقف الداعية الذي يتمتع بموهبةٍ واضحة عند هذا الحد، بل أصدر وهو في
عمر التاسعة عشر كُتيباً أسماه "إلى من يهمه الأمر قبل استباق الخير"، حيث
لاقى رواجاً كبيراً لم تتوقعه دور النشر، كما واصل إصدار ثلاث كتيبات
أخرى، ليجمعهما بعد ذلك في كتاب لاقى إقبالاً واسعاً.. لتكن هذه أولى خطوات
سلم نجاحه، ليبدأ بعدها مشواره الدعوي في الفضائيات العربية الدينية.
وبذلك كان شريف أحد الدعاة الشباب الذين كسروا بأسلوبهم العصري الجديد
"الصورة النمطية" التي سادت حول من يلبسون "الجلابية" و"العمامة" ويطلقون
اللحَى الطويلة، وفي هذه النقطة يرد على من يطلق أوصافاً على الدعاة الشباب
بأنهم"دعاة موضة"، ليجيب بثقة:"أياً كانت التسميات..سواء دعاة موضة أو
دعاة "إتيكيت"!، فكل هذا لا يهمني، والأهم من ذلك أن أكون داعية بحقّ،
فالدعوة لله تعالى لم ترتبط يوماً بالمشايخ فقط، وهذا لا ينقص من حقهم
أبداً".
عمق الفكر وبساطة الطرح
وفيما يتعلق بالشكل والمضمون العصري للدعاة، يعقّب بقوله:"ليس هناك
ثيابٌ "حِكرٌ" في الإسلام، فقد كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يلبس لباس
أي بلد يَحل به، كما أنني أتكلم بلسان الشباب ولغتهم كما قال الله عز
وجل:"وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ
لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللّهُ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء
وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ"، فنحن كدعاةٍ لا نغير في الدين ولا نسطِّح
من قضاياه، ولا نقلل من أهميته، بل نوصل الدين بنفس الفكرة وبذات الأحاديث
الصحيحة".
ويتابع:"كثيرٌ من المشايخ وغيرهم ممن يتحدثون بالدين يوصلون القضية
بقوتها، وصعوبتِها مثل ما هي، دون أن تصل إلى قلوب المستمعين، وما يميزنا
أننا نطرح القضية بعمق ونبسط فكرتها، لذا فإنها تصل إلى قلوب الناس بسلاسة
تامة".
وبما أن محطات عبور الداعية لقلوب الناس، تمر بعدة طرق يبتدعها الداعية
حتى يصل إلى شهرةٍ رأس مالها حب الجمهور، فماذا تعني الشهرة للداعيةٍ
"شريف"؟!، بابتسامةٍ واثقة يتحدث:"القرب من قلوب الناس، يأتي بتوفيق من
الله وإخلاص الدعوة إليه، ومن ثم "كاريزما" الشخص وطريقة كلامه وعمق فكرته،
بالإضافة إلى البرامج التي يقدمها الداعية وهل تعطي فكراً جديداً أم
تقليدياً؟، وهل لديه تميز في الوصول أم لا، بالإضافة إلى تميزه بالواقعية
في التعاطي مع الشباب وموقعهم وحياتهم".
النصائح ومنعطفاتها
أما عن بريق الشهرة فإنها لا تساوي شيئاً في حسابات شريف شحاتة -كما
بيَّن-، فهي نقمةٌ على صاحبها إن كانت هي المبتغى الأول والهدف الأساسي في
حياة الشخص.
ومن النصائح التي أحدثت منعطفاً إيجابياً في طريق دعوته_كما يقول
شحاتة_:"أثرّ بي كثيراً حين ربت أحد المشايخ على كتفي، وهزّني بقوة قائلاً
لي:"أنت مُحاسب على كل كلمةٍ ستقولها"، قد تكون نصيحة عابرة ولكنها ذات
"عبرةٍ كبيرة"، ولا أزال أضعها بين عيني ولا أنساها، ولا أنسى نصيحة أخرى
قيلت لي:"أنت على طريق حقٍ فامضي بقوة"، أما النصيحة الثالثة فقد وجهت لي
في المسجد حينما قيل لي:" أنت مشروعٌ للأمة والحفاظ عليه شرف".
ويمضي قائلاً:"ورغم تلك النصائح فإن أكثر ما أثر بي خلال دعوتي قوله
تعالى "يريدون وجهه" أي أن الدعاة لا يريدون من دعوتهم إلا وجه الله سبحانه
وتعالى، أما الآية الثانية في قوله تعالى: " وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا
بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ
ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا أي أن الله لا ينسى تعبك ولا مجهودك
ولا إيذاء الناس لك، أما الآية الثالثة في قوله تعالى: "يوم لا تملك نفس
شيئاً والأمر يومئذٍ لله".
حين بكى القزم
وذكر موقفاً أبكاه ولا يزال يستحوذ على ذاكرته حتى الآن حينما كان في
بيت الله الحرام، يقول:"في إحدى "العمرات" جلست أصلي في المسجد الحرام، إذ
برجل قزم أراد أن يُقّبل الحجر الأسود، فذهب إلى ضابط الأمن يتوسلّه أن
يتركه ليقبّل الحجر قبل أداء الصلاة، فكان هذا الضابط يصرّ على منعه،
بالرغم من استعطافه للضابط أكثر من مرة فلم يجب، إلى درجة أنه ألحّ في
الطلب وأراد أن يُقبّل يده فرفض الضابط، إلى أن انتهى به الأمر إلى تقبيل
قدميّ الضابط وهو يبكي".
ويضيف:"فما كان من الضابط وكلُ من في الحرم إلا أن أجهشوا بالبكاء
لهذا الموقف، فأسرع الرجل "القزم" يتعلق بستارة الحجر الأسود حتى قبلّه،
ومن ثم سجد لله شاكراً".
ويُلخص "شحاتة" الخطوط العريضة التي تقود إلى صناعة الإنسان في خمس
أمور مهمة، أولها: أن يضع لنفسه هدفاً كبير جداً، وثانياً:أن يأخذ لنفسه
خطوة وتحركاً، وثالثاً: لابد أن يعرف من هم أصحابه، ورابعاً: ألا يلتفت
للسخرية والاستهزاء "فالملتفت لا يصل"، خامساً:أن يبقى عملياً ليتعلم كل
كلمة، وخلاف النقاط الخمسة لابد أن يطلب من الصالحين أن يدعوا له بالتوفيق
والسداد".
المصدر: صحيفة فلسطين